الجمعة، 8 مايو 2009

1- الحـمـــد


بقلم: عبد الرحمن عمر



سألتنى ابنتى عن معنى كلمة (الحَمْدَلَة) فقلت لها: سوف أجيبك مما سمعته من مشايخنا رضوان الله عليهم، (الحمدلة) اختصار لكلمة (الحمد لله رب العالمين)، وهذا الاختصار يسمى عند علماء اللغة (النحت) مثلها مثل كلمة (الحوقلة) و(البسملة) ومعنى (الحوقلة): لا حول ولا قوة إلا بالله، ومعنى كلمة (البسملة): بسم الله الرحمن الرحيم، وسوف نتحدث اليوم عن فضل (الحمد لله).
ومعناها: الثناء الجميل على الله ـ سبحانه وتعالى ـ وهى أول كلمة نطق بها أبو البشر سيدنا آدم ـ عليه السلام ـ حينما وصلت الروح إلى رأسه فعَطِسَ فحَمِدَ الله، والحمد لله هى أول آية فى
فاتحة القرآن الكريم، وقد افتتح القرآن الكريم خمس سور بـ (الحمد لله) وهى: (1) سورة الفاتحة (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (2) سورة الأنعام (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) (3) سورة الكهف (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا) (4) سورة سبأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِى الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (5) سورة فاطر(الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِى الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ)
* والحمد لله نبدأ بها الصلاة وأول كلمة نقولها عند الاستيقاظ من النوم (الحمد لله الذى بعثنى سالما سويا، أشهد أن الله يحى الموتى وهو على كل شئ قدير)، ويبدأ بها خطباء المساجد خطبة الجمعة (الحمد لله رب العالمين)، وتقال عند الجلوس لتناول الطعام (الحمد لله الذى رزقنا من غير حول منا ولا قوة) وبعد الفراغ منه (الحمد لله الذى أطمعنا وسقانا وجعلنا مسلمين) وبعد العطاس، وبعد الخروج من الخلاء تقول: الحمد لله الذى أذهب عنا الأذى وعافانا، وبعد شرب المياه، وسوف أقول لك فائدة سمعتها من فضيلة الشيخ عامر: أن من شرب الماء على ثلاث مرات وقال فى بداية كل مرة بسم الله وفى النهاية الحمد لله لا تعصى الله جوارحه ما دام الماء فى جسده. وعند عقد القران يبدأ العاقد بالحمد والثناء على الله، ونقول فى آخر الدعاء (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين)، وأيضا فى السراء والضراء.
فقاطعتنى ابنتى وقالت لى: وفى السراء والضراء؟؟؟ تعودنا أن نحمد الله فى السراء فكيف نحمده فى الضراء؟
فقلت لها سوف أقص عليك قصة التابعى الجليل سيدنا
عروة لتوضح لك إجابة سؤالك؛ وهو سيدنا عروة بن الزبير بن العوام، وأمه السيدة أسماء بنت أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنهم جميعًا ـ، وقد أصيب سيدنا عروة بداء الأكلة (الغرغرينا) بإحدى رجليه، وقد قرر الطبيب بتر هذه الرجل المصابة وجاءوا له بشراب يفقده الوعى حتى لا يشعر بألم البتر، فرفض وقال افعلوا بى ما شئتم عندما ابدأ الصلاة، وعندما انتهى من صلاته
وقع مغشيًّا عليه، وعندما أفاق قال: الحمد لله، ثلاث مرات، فسئل علام تحمد الله؟ فقال: أحمد الله أن هناك رجلاً أخرى تركها الله لى، وفى نفس اليوم جاءه خبر موت أحب أبنائه إليه من ركلة حصان، فقال: الحمد لله، ثلاث مرات، وعندما سئل علام تحمد الله؟ قال: إن الله رزقنى بأربعة أبناء فأنا أحمده أنه أبقى لى ثلاثة.
فنظرت لى ابنتى باستغراب، وقالت: يا أبى أين نحن من هؤلاء القوم؟ فقلت لها سوف أقصُّ عليك مثالاً آخر لكي تعرفى أن القلب إذا امتلأ بالإيمان حمد الله فى السراء والضراء، فهناك تاجر معاصر كان عندما يكسب الصفقة يحمد الله، وعندما يخسر كان يحمد الله أيضا، وفى يوم أصبح بلا مال، وقال الحمد الله، وعندما سئل علام تحمد الله؟ قال: الحمد لله الذى أخذ مالى ولم يفضحنى، وكان من نتيجة هذا أن رزقه الله من حيث لا يحتسب وعاش مستورًا، وهذه الأحداث التى قصَصْتها هى تطبيق عملى لقوله تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) فمن يحمد الله فى السراء والضراء يكرمه الله فى الدنيا ويدخله الجنة فى الآخرة، قالت: كيف يشكر الله على الضراء مع قوله تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) فهل يزيدهم من شرها؟ قلت لها: لا ليس ذا، هذا فهم قاصر ضيق، بل يزيده رضاء بالقضاء، وهذا موافق لدعوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (اللهم رَضِّنِى بقضائك).
أرجو أن أكون قد أوضحت لك بعض معانى (الحمدلة)، وسوف نتكلم لاحقا ـ إن أبقانا الله ـ عن معنى (الحوقلة) و(البسملة). رزقنا الله وإياكم لسانا ذاكرًا و قلبًا شاكرًا وجسدًا على البلاء صابرًا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق