الجمعة، 30 أكتوبر 2009

الخاطر جند من جنود الله


يقول الله سبحانه وتعالى (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ).
يعلم من نص الآية أن جنود الله لا يعلمها إلا هو لكثرتها، وهو سبحانه القادر على تصريفها وإيجادها بين خلقه لينفذ قضاءه وقدره ومنها الجنود الظاهرة مثل الزلازل والبراكين والفياضانات والريح، ومنها جنود خفية مثل الميكروبات والفيروسات.. وكذلك الخواطر، وسوف أتحدث عن واحد من الجنود وهو الخاطر.
إن الخواطر التى ترد على عقولنا نتحرك بها، فمثلاً إنسان يخطر له خاطر لشراء بيت لأولاده وآخر يأتيه خاطر يقول بع البيت واشتر أرضا زراعية للأولاد فهذا يعرض البيت والآخر يشتريه، وكذلك فى الزواج والتجارة والصناعة وكل مناحى الحياة يتحرك الناس فيها بالخواطر.
و الخاطر كان سببا في قبض عزرائيل روح رجل سافر الى الهند و كان في مجلس لسيدنا سليمان.

فقد روى أنه دخل سيدنا عزرائيل مجلس سيدنا سليمان عليه السلام وكان فى الزمن الماضى يظهر للبشر، فرأى أحد الضيوف فى المجلس فنظر له نظرة جعلته يرتعد، فسأل سيدنا سليمان قال يا نبى الله أرجو أن تأمر الريح أن تنقلنى إلى الهند فأنا خائف لأنه نظر إلى دون الجلوس جميعًا وفعلاً تم نقل الضيف إلى الهند وسأل سيدنا سليمان سيدنا عزرائيل لماذا أرعبت الرجل بهذه النظرة فقال لقد أمرنى الله أن أقبض روحه فى الهند فلما رأيته جالسًا عندك استغربت فلما طلب منك أن تنقله إلى الهند علمت أنه ذاهب إلى قدره وتم قبض روحه فى الهند كما أمر الله سبحانه وتعالى.
لقد أوحى الله إلى أم موسى وحيًا فسره فضيلة الشيخ الشعراوى على أنه خاطر وليس وحيًا كالوحى الذى ينزله على الأنبياء، يقول الله تعالى: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ" ولما رأته امرأة فرعون تعلقت به وهذا أيضًا خاطر ولما أرادوا قتله (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ ۖ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) فهذا خاطر جاءها أنه ربما ينفعهم وصدقوها والتصديق خاطر، وإذا تأملنا الآية نجد أن الله أراد بهذا أن يهلك فرعون وملكه.
وقصة سيدنا الخضر مع سيدنا موسى والتى خرق فيها السفينة وقتل الغلام وبنى الجدار، وفى آخر القصة قال: "وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى".
وفى تجربة شخصية، كنت أقود السيارة وبجوارى عالم جليل ومعنا بعض الأصدقاء وطلب منا فضيلة الشيخ قراءة الفاتحة لسيدنا الشيخ أحمد الدرديرى وبعد حوالى مائة متر كرر الطلب لسيدنا الإمام الحسين رضى الله عنهم أجمعين ونحن نقرأ الفاتحة وكنا فى حالة روحانية جميلة اقتربت سيارة من على يميننا وبداخلها بعض الشباب وراديو السيارة صوته مرتفع بموسيقى صاخبة وهم يرقصون بداخل السيارة فالتفت فضيلة الشيخ يمينه ثم نظر إلينا وقال(سبحان من أودع فى كل قلب ما يشغله).
وفى هذا المعنى يقول فضيلة الشيخ محمد الطاهر الحامدى فى منظومته المسماة (مرشد الأنام):
وكل ما فى الكون من آثار
فإنه من صنعة القهار
فليس يجرى كائن ولا جرى
إلا قضاه ربنا وقدرا
وإنما الجزاء للإنســـــان
لكسبه المدرك بالوجدان
فليس مجبرا وذا إرهاق
وليس مختارا على الإطلاق
هذا هو القول الذى لا ينتقد
وغير هذا باطل لا يعتقد

الجمعة، 2 أكتوبر 2009

التوكل على الله

قال الأب لابنه مالى أراك محبطا وأشعر بالمرارة فى كلامك، فكان رد الابن كيف لا أحبط وقد كنت أعتمد عليك فى العمل بعد التخرج من الجامعة فى إحدى شركاتك ولن أبحث عن وظيفة فى سوق العمل لأن العمل جاهز عندك.
فلما قمت بتصفية شركاتك وجدتنى مضطرًّا للبحث عن وظيفة، فرد عليه والده: هذا لأنك اعتمدت علىَّ ولم تعتمد على الله - سبحانه وتعالى - والذى يقول فى كتابه العزيز: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَىِّ الَّذِى لا يَمُوتُ) ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتعود بطانا)
رواه أبو تميم الجيشانى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه, ويدل هذا الحديث على أن الأمر بالتوكل على الله تعالى لا ينفى الأسباب، ومن هذا الحديث نعرف أن السعى على الرزق واجب، أما حصول الرزق فهو من عند الله, يقول تعالى: (فَٱمۡشُواْ فِى مَنَاكِبِہَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِ) وطلب الرزق من الله يجب أن يكون مع الأخذ بالأسباب وبأدب.
حكى مشايخنا - رضى الله عنهم - أن بعضهم كان يقول وددت لو أنى تركت الأسباب وأعطيت كل يوم رغيفين حتى أستريح من تعب الأسباب، قال فسُجِنْتُ فكان يؤتى لى كل يوم برغيفين، وبعد أن طال الأمر علىَّ وشعرت بالضيق قيل لى إنك طلبت منا كل يوم رغيفين ولم تطلب منا العافية فأعطيناك ما طلبت، فاستغفرت الله ورجعت إليه سبحانه، فإذا بباب السجن يفتح وخرجت.
والمؤمن لا يطلب أن يخرج من أمر ويدخل فيما سواه من نفسه، فلربما يعطى الثروة وتمنع عنه الراحة والسعادة، وقد حكى ساداتنا المشايخ أنه قد حدثت أزمة مالية لأحد الصالحين فقال لزوجته: أخرجى كل ما فى البيت فتصدقى به، ففعلَتْ إلا الرحا، فإنها قالت لعلنا نحتاج إليها ولا نجد مثلها وإذا بالباب قد دق وقال الطارق هذا قمح أرسل إلى الشيخ فملأت البيت قمحا فلما رجع الشيخ ونظر قال: أأخرجتِ كل ما فى البيت، قالت: نعم.. ولكنى تركت الرحا خيفة أن نحتاج إليها، فقال لو أخرجت الرحا لجاءك دقيق، ولكنك أبقيتها فجاءك ما به تتعبين.. وهذا لأنها دبرت لنفسها ولم تعتمد على المدبر سبحانه وتعالى، يقول ابن عطاء الله السكندرى رضى الله عنه: (إذ كان لا بد أن تدبر فدبر أن لا تدبر)، وقال أيضًا رضى الله عنه: (إن أهل المعرفة بالله إذا توقفت عليهم أسباب المعيشة قرعوا باب الرزق بمعاملة الرزاق، لا كأهل الغفلة والعمى إذا توقفت عليهم أسباب الدنيا ازدادوا فيها كدحًا بقلوب غافلة وعقول عن الله ذاهلة).