الجمعة، 22 أكتوبر 2010

من نحن؟

لو طُلب من إنسان أن يقول رأيه فى مجموعة من الناس لكتب فيهم كثيرًا من الانتقادات، وقال كل ما يراه فيهم من عيوب، فإذا طلب منه أن ينتقد نفسه فسوف يندهش ويقول: وهل هناك ما يمكن انتقاده؟! فإننى إنسان كامل ليس بى عيوب وذلك لأنه يجهل نفسه وكلنا ذلك الإنسان.
ولله در القائل.
إنـى ابتليت بأربع ما سلطوا
إلا لشـدَّة شقوتـــى وبلائى
إبليس والدنيا ونفسى والهوى
كيف الخلاص وكلهم أعدائى
ومن أقوال الشيخ محمد الطاهر رضى الله عنه وأرضاه فى كتابه (الإنسان والإسلام): "من عرف نفسه فقد عرف الله، وقد قيل أعدى أعداؤك نفسك التى بين جنبيك" يحكى أن أحد الصالحين علم أن جماعة لهم مذهب خاص بهم وهو مخالفة النفس, فذهب وعرض عليهم الإسلام, فقالوا: (نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) فتعجَّبَ من سرعة استجابتهم للإسلام, فقالوا: لا تعجب إننا حين عرضنا الإسلام على أنفسنا رفضت بشدة, فعلمنا أنه الدين الحق, ولذلك لم نتردد فى الدخول فى الإسلام, يقول الإمام البوصيرى فى قصيدة البردة:
وخالف النفس والشيطان واعصهما
وإن هما محضَّاك النُّصْحَ فاتَّهِمِ

وفى أحد دروس سيدنا الشيخ عامر عبد الرحيم سعيد ـ رضى الله عنه وأرضاه ـ قال: إن قرب المريد من الولى المربى والجلوس بين يديه مقدار حلب شاة أو شىّ بيضة ينير قلب المريد وضرب مثالا بالمسبحة (نور الصباح) إذا قربتها من (الكلوب) فإن نور (الكلوب) ينعكس عليها، فترى المسبحة قد أضاءت, ولا شك أن هذه الإضاءة غير ذاتية ولكن بسبب القرب من مصدر النور، وهذا المثال أضربه لمن يعتقد بأن قربه من الشيخ واحترام الآخرين له إنما هو احترام لذاته وشخصه وليس لقربه من الشيخ، ولهذا يجب علينا الذهاب إلى المربى وهو الشيخ وأخذ العهد عليه, ومن فوائد أخذ العهد والقرب من المشايخ أن نعرف أنفسنا, ولكن هل ستتركنا النفس لنستفيد من قربنا من الشيخ, إن المريد بمجرد قربه من الشيخ وإحساسه بحب الناس له على اعتبار أنه طالما كان قريبا من الشيخ والمريدون يحبون شيخهم فيناله شىء من هذا الحب, فتُخيِّل له نفسه أن هذا الحب لشخصه ولذاته فتبدأ نفسه فى التمرُّد على كونه مريدًا ولماذا لا يكون شيخا طالما هذه الجموع تحبه وتقدره وتقبل يده فتدور رأسه وتنسيه نفسه سببَ هذا الحب, وهو قربه من الشيخ فيبتعد فإذا ابتعد فيبدأ فى الأفول والانطفاء.
ولو تأمَّلْتَ قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أصحابى كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم" لوجدنا أن الصحابة لم يصبحوا نجوما إلا بقربهم من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والذى قال عنه رب العزة: (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ)، وقال أيضًا: (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا) فانعكس نور النبى صلى الله عليه وآله وسلم على الصحابة فأصبحوا نجومًا منيرة, ولكى نعرف قدر المريد الصادق، يقول الشيخ أحمد الطاهر الحامدى ـ رضى الله عنه وأرضاه ـ فى كتاب (مطية السالك): إننى لا أعرف.. أأحزن على موت الولى الصالح أم على موت المريد الصادق! وأخيرًا وليس آخرًا أقول لنفسى ولإخوانى: "عرفت فالزم" ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يملكنا أنفسنا ولا يسلطها علينا.
والنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على
حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق