الجمعة، 2 أكتوبر 2009

التوكل على الله

قال الأب لابنه مالى أراك محبطا وأشعر بالمرارة فى كلامك، فكان رد الابن كيف لا أحبط وقد كنت أعتمد عليك فى العمل بعد التخرج من الجامعة فى إحدى شركاتك ولن أبحث عن وظيفة فى سوق العمل لأن العمل جاهز عندك.
فلما قمت بتصفية شركاتك وجدتنى مضطرًّا للبحث عن وظيفة، فرد عليه والده: هذا لأنك اعتمدت علىَّ ولم تعتمد على الله - سبحانه وتعالى - والذى يقول فى كتابه العزيز: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَىِّ الَّذِى لا يَمُوتُ) ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتعود بطانا)
رواه أبو تميم الجيشانى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه, ويدل هذا الحديث على أن الأمر بالتوكل على الله تعالى لا ينفى الأسباب، ومن هذا الحديث نعرف أن السعى على الرزق واجب، أما حصول الرزق فهو من عند الله, يقول تعالى: (فَٱمۡشُواْ فِى مَنَاكِبِہَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِ) وطلب الرزق من الله يجب أن يكون مع الأخذ بالأسباب وبأدب.
حكى مشايخنا - رضى الله عنهم - أن بعضهم كان يقول وددت لو أنى تركت الأسباب وأعطيت كل يوم رغيفين حتى أستريح من تعب الأسباب، قال فسُجِنْتُ فكان يؤتى لى كل يوم برغيفين، وبعد أن طال الأمر علىَّ وشعرت بالضيق قيل لى إنك طلبت منا كل يوم رغيفين ولم تطلب منا العافية فأعطيناك ما طلبت، فاستغفرت الله ورجعت إليه سبحانه، فإذا بباب السجن يفتح وخرجت.
والمؤمن لا يطلب أن يخرج من أمر ويدخل فيما سواه من نفسه، فلربما يعطى الثروة وتمنع عنه الراحة والسعادة، وقد حكى ساداتنا المشايخ أنه قد حدثت أزمة مالية لأحد الصالحين فقال لزوجته: أخرجى كل ما فى البيت فتصدقى به، ففعلَتْ إلا الرحا، فإنها قالت لعلنا نحتاج إليها ولا نجد مثلها وإذا بالباب قد دق وقال الطارق هذا قمح أرسل إلى الشيخ فملأت البيت قمحا فلما رجع الشيخ ونظر قال: أأخرجتِ كل ما فى البيت، قالت: نعم.. ولكنى تركت الرحا خيفة أن نحتاج إليها، فقال لو أخرجت الرحا لجاءك دقيق، ولكنك أبقيتها فجاءك ما به تتعبين.. وهذا لأنها دبرت لنفسها ولم تعتمد على المدبر سبحانه وتعالى، يقول ابن عطاء الله السكندرى رضى الله عنه: (إذ كان لا بد أن تدبر فدبر أن لا تدبر)، وقال أيضًا رضى الله عنه: (إن أهل المعرفة بالله إذا توقفت عليهم أسباب المعيشة قرعوا باب الرزق بمعاملة الرزاق، لا كأهل الغفلة والعمى إذا توقفت عليهم أسباب الدنيا ازدادوا فيها كدحًا بقلوب غافلة وعقول عن الله ذاهلة).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق