الجمعة، 21 أغسطس 2009

أصدقاء السوء.. وجهاز المناعة


يقول الشاعر العباسى صالح بن عبد القدوس:

اختر قرينك واصطفيه تفاخرا إن القرين إلى المقارن ينسب

أحمد الله - سبحانه وتعالى - على نعمة الإيمان والإسلام وكفى بها نعمة، كما أحمده - سبحانه وتعالى - وأسجد له شكرًا أن دَلَّنَا من فضله وكرمه على صحبة الصالحين وأنى حين أحمد الله تعالى على ذلك أتذكر قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" رواه أحمد.
كثرت شكوى الآباء فى هذه الأيام من الأبناء الذين تغيروا ولم يصبحوا مثل آبائهم ولكن كل عصر وله جيله، ولا بد أن نقترب من أبنائنا ونتخذهم أصدقاء لنا بعد أن نكون قدعرّفناهم الحلال والحرام، فقد شكا لى صديقى من تصرفات نجله وسهره حتى وقت متأخر خارج البيت، فقلت له: إن ما يحمى أبناءنا تلك المناعة التى اكتسبوها من تربيتهم الدينية، فإذا كنت قد ربيتهم على الخوف من الله، فلا تخش عليه واجعله صديقا لك حتى لا يخطفه أصدقاء السوء فإنهم كالفيروسات المدمرة لا يحمينا منها إلا جهاز المناعة، ثم أردفت حديثى معه قائلاً سوف أقص عليك قصة لابن تربَّى تربية سليمة وقد التفَّ حوله أصدقاء السوء وهو لا يزال فى المرحلة الإعدادية وقالوا له هيا بنا لندخن الشيشة، فسألهم وما الفائدة التى تعود علينا من هذا، قالوا حتى تصبحَ رجلاً، ولأنه تربَّى تربية سليمة فكان جوابه ولكنى رجل بدون تدخين الشيشة، وابتعدَ عنهم، وآخر اجتهدَ فى تربية أبنائه ونشَّأهم تنشئة طيبة، ولكن واحدًا منهم أحضره أصدقاؤه فى ساعة متأخرة من الليل محمولا وهو فى شبه غيبوبة وبعد كشف الطبيب عليه وإعطائه الدواء قال.. اتركوه حتى الصباح وسوف يعود إلى حالته الطبيعية، وفى الصباح سأله والده ما الذى حدث؟ قال لقد أحضرلى أصدقائى دواء وقالوا لو شربت الزجاجة كلها (هتعمل دماغ) وبعد شربى للزجاجة لم أشعر بشىء فقال له والده.. وما الذى حملك على هذا؟ قال.. أردت أن أجرب، وكان هذا درسًا للشاب رجع بعده إلى الطريق المستقيم، إن النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - قد ربَّى الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ فى المسجد فهيَّا نعود للمساجد ونحضِر معنا أبناءَنا حتى يتعلقوا بالمساجد وفى المسجد سيعرفون الحلال والحرام والفرائض والسنن وحقوق الأهل والجيران وسيجدون الصحبة الصالحة فى المسجد والتى تعينهم على فعل الخيرات وترك المنكرات.

كثرة الخطا إلى المساجد



عن أبى هريرة - رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – قال: "ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات, إسباغ الوضوء عند المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط, فذلكم الرباط, فذلكم الرباط" رواه مالك، (وفى رواية على المكاره). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان" ابن ماجة والترمذى. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بشر المشَّائين فى الظًُلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" رواه ابن ماجة وأبو داوود، و
عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: (من توضأ فى بيته فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد فهو زائر لله، وحق على المزور أن يكرم زائره)، وقد سألت فضيلة الشيخ عامر عبد الرحيم سعيد – رضى الله عنه - عن الذهاب إلى المسجد بالسيارة فأجابنى قائلا: "إن كل لفة عجلة لك بها حسنة" وقد علَّق فضيلة الشيخ الطاهر الحامدى بقوله: وهذا فقه جيد حيث إن المقصود ليس المشى بالقدم وإنما المراد السعى إلى المسجد بأىِّ وسيلة كانت، كما ورد فى حديث الاثنين الذيْن جاءا يسألان النبى فى الحج فقال لأحدهما: (فإنّك إذا خرجت من بيتك تؤمُّ البيت الحرام لا تضع ناقتك خفًّا ولا ترفعه إلا كتب الله لك به حسنة ومحا عنك خطيئة) رواه الطبرانى فى "الكبير" والبزّار وابن حبَّان، ويدخل فى هذا السعى بالسيارة أو أى وسيلة أخرى حديثة.
فمن الطاعات التى لها فوائد عظيمة تعمير المساجد وكثرة الخطا إليها, يقول الله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ ) (التوبة:18)، فهل سيترك الشيطان رواد المساجد يؤدُّون المناسك ويفوزون بهذا الثواب العظيم؟ ولقد حذرنا الله فى كتابه العزيز فقال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر:6). وبسؤال فضيلة الشيخ عامر عبد الرحيم سعيد - رضى الله عنه – عن عداوة الشيطان للإنسان، قال: إن الشيطان لا يحتمل أن يرى اثنين مسلمين فى وئام ومحبة فيظل وراءهما حتى يوقع بينهما العداوة والبغضاء ليبعدهما عن الطاعات، وحينما سألْتُه – رضى الله عنه – عن سبب الخلافات بين رواد المساجد فقال وهل سيذهب الشيطان إلى الخمارة؟ إن رواد الخمارات انتهى منهم الشيطان وهو الآن يحاول أن يخرب على رواد المساجد عبادتهم ويمنعهم من المواظبة على حضور صلاة الجماعة بالمسجد حتى لا يزيد عدد المصلين ويبعدهم عن هذا الخير العظيم. وقد حكى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عبادة بن الصامت عنه حيث قال: خرج النبى - صلى الله عليه وسلم - ليخبرنا ليلة القدر فتلاحى (أى تخاصم وتنازع) رجلان من المسلمين، فقال: (خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى اثنان فرُفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها فى التاسعة والسابعة والخامسة).
وكل هذه الخلافات وراءها عداوة الشيطان لنا فهل اتخذناه عدوًّا كما حذرنا الله سبحانه وتعالى؟ وآخر حيل الشيطان الآن لرواد المساجد التليفون المحمول, فحَدَثَ أننا كنا نصلى العشاء جماعة بالمسجد ورغم تحذير الإمام للمصلين بغلق التليفون المحمول, وبعد الدخول فى الصلاة أخذ يرن جرس تليفون محمول برنات شاذة وصاحبه يخرجه ويغلقه أكثر من مرة، وبعد الصلاة سأل الإمامُ صاحبَ التليفون: لماذا لم تغلق التليفون المحمول قبل الدخول فى الصلاة كما حذرنا من قبل؟ فردَّ: حتى أكون على اتصال بعملى فكان رد الإمام عليه: إذن قمْ فأعدْ صلاتك فإن الشيطان قد أفسدها عليك، (لأنه تحرك أكثر من حركة أخرجته عن صلاته)، ونحن حين نُكَبِّر تكبيرة الإحرام يجب أن نترك الدنيا وراء ظهورنا. والآن.. وبعد أن وضحت الأمور وعلمنا عداوة الشيطان لنا, يجب علينا أن نرتفع فوق خلافاتنا وأن ندعو الله - سبحانه وتعالى - أن يكفينا شر الشيطان وعداوته وأن يوحِّد كلمة المسلمين وليقوموا بتعمير المساجد.