الجمعة، 17 يوليو 2009

حب آل البيت

حكى لى صديقى قائلا: لقد كنت بالأمس فى زيارة سيدنا على زين العابدين - رضى الله عنه وأرضاه - وقد كانت الليلة الخاتمة لمولده، وكان المكان عامرًا بمحبى آل بيت النبى - صلى الله عليه وسلم - فتدخل أحد المستمعين لنا وبدون سابق إنذار، وقال: ما هذا الكلام الذى تقولونه أتذهبون للموتى وتسألونهم وتطلبون منهم حاجاتكم وهم فى أمَسِّ الحاجة لدعائكم؛ حيث إنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولاضرا وأنا أخشى عليكم من الشرك، وهذه الموالد ما أنزل الله بها من سلطان كما أنه يحرم الصلاة فى الأماكن التى بها قبور أو أضرحة، فتبسم صديقى وقال له: بارك الله فيك، فقد نورتنا بأمرٍ لم يخطرعلى بالنا، وانصرف الرجل بعد أن شعر أنه أدَّى ما عليه، وقد حاولت النوم بعدها فلم أستطع، فأمسكت القلم وأخذت أسجل بعض خواطرى لعلى أخرج بما يجول فى صدرى من غيظ شديد.
بادئ ذى بدء.. نحن نؤمن بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة المطهرة، ونؤمن بقول الله - سبحانه وتعالى –: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة/186] ويقول الله تعالى. {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} . [غافر/60]...وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ الله، صلى الله عليه وآله وسلم، يَوْماً فَقَالَ: يَا غُلأَمُ، اِنِّى أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَئءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَئءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَئءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إلا بِشَئءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ.
من هنا يتضح لنا أن السؤال والدعاء لا يكون إلا لله، فالواهب والعاطى هو الله، ومن عطاء الله - سبحانه وتعالى - المعجزات للأنبياء والكرامات للأولياء ومعجزات الأنبياء مذكورة فى القرآن الكريم منها إلقاء سيدنا إبراهيم - عليه السلام - فى النار وقميص سيدنا يوسف وعصا سيدنا موسى وإحياء الموتى لسيدنا عيسى والإسراء والمعراج لسيدنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومن الكرامات قصة العبد الصالح مع سيدنا موسى - عليه السلام - وقول سيدنا عمر بن الخطاب - رضى الله عنه -: يا سارية الجبل الجبل!! وقد كان سيدنا سارية فى بلاد فارس وسيدنا عمر فى المدينة المنورة وسمعه سيدنا سارية والتف حول الجبل وهزم الأعداء، وإذا كانت المعجزات قد انقطعت بعد انتقال النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - فإن الكرامات موجودة إلى أن تقوم الساعة.. وعن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله قال: من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدى بشىء أحب إلىَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدى يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ويده التى يبطش بها، ورجله التى يمشى بها، وإن سألنى لأعطينه، ولئن استعاذنى لأعيذنه، وما ترددت عن شىء أنا فاعله ترددى عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته (رواه ابن عساكر عن عائشة). وفى رواية لغيرالبخارى: من آذى لى وليا فقد استحل محاربتي، والمراد بولى الله العالم بالله، المواظب على طاعته، المخلص له فى عبادته كما قال الله تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُون * لَهُمُ الْبُشْرَى فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ) وقد جاء فى الحديث القدسى (عبدى أطعنى أجعلك عبدا ربانياً تقول للشىء كن فيكون) إذن.. فالعاصى ليس له عند الله كرامة إنما الكرامة للطائعين الصالحين.. ومن هنا التفَّ الناس حول الطائعين لله يقولون لهم أعطونا مما أعطاكم الله وهذا العطاء فى الحقيقة إنما هو من عطاء الله، كما أن من وسع الله عليه فى ماله عليه زكاة كذلك من وسع الله عليه فى التقوى عليه زكاة.. فهو لا يستأثر بهذه المنح الربانية لنفسه فقط بل يجعلها فى خدمة خلق الله.. وهذا تكليف من الله له.. وقد يقول قائل هذا جائز بالنسبة للأحياء فهم قادرون على الدعاء ويجرى الله الكرامات على أيديهم وقد يرد سؤال لماذا يذهب الناس إلى المنتقلين من أهل البيت والصالحين لطلب الدعاء عندهم؟ لأنهم علموا أن من أحبه الله كان سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به، وسمع الله وبصره لا يموت وهذا من كرم الله على أحبائه، فعطاء الله موصول لهم إلى يوم القيامة وهم الآن فى مكان أفضل مما كانوا فيه فى الدنيا ودرجاتهم ترتفع كلّ يوم بما تركوا من أعمال صالحة فى الدنيا, ومن كلمات الصوفية: (الولىُّ فى حياته كالسيف فى غِمده إذا مات سُلّ) وكما أن النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - ترتفع درجاته فى كل لحظة بأعمال الصالحين من الأمة وما تفعله من أعمال صالحة تكتب فى صحيفة حسنات سيد الخلق ـ عليه الصلاة وأتم السلام ـ وكما قال النبى - صلى الله عليه وآله وسلم -: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل من غير أن ينقص من أجورهم شئ) (الطبرانى فى الأوسط).. وأيضا (الدال على الخير كفاعله) (الطبرانى فى الأوسط) وهناك أيضًا الهادون فى الأمة من بعد النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - هدى الله - سبحانه وتعالى - على أيديهم خلق كثير.. تركوا أعمالا صالحة وعلمًا ينتفع به المسلمون من تسجيلات للقرآن الكريم فكلما قرأوا آية كتب الله لهم عشر حسنات بكل حرف وتركوا أيضًا مجلدات ينتفع بها المسلمون والباحثون.إذن.. فالانتقال ليس انقطاعًا عن الدنيا وسؤال المسلمين لمن انتقل من الصالحين يساوى سؤالهم، وهم أحياء لأن الفاعل فى الحقيقة هو الله عز وجل.